فصل: مسألة حلف ألا يدخل بيت فلان ما عاش فمات فلان هل يدخل بيته وهو ميت:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة حلف ألا يأكل خبزا وإداما فأكل خبزا وملحا:

قال أصبغ: سمعت أشهب في من حلف ألا يأكل خبزا وإداما فأكل خبزا وملحا، قال: هو حانث وسواء كان الملح محضا أو مطيبا. قال محمد بن رشد: لم يره في الواضحة إداما يحنث به؛ قال: وإنما يحنث بكل ما يثبت معرفته عند الناس إنه إدام كان مما يطبخ به كالسمن والزيت والودك أو مما لا يطبخ به كالزيتون والجبن والحلوم وشبه ذلك، وإن ابن حبيب تكلم على ما يُعرف بالأندلس من أن الملح الحريش أو المطيب لا يأتدم الناس به، وتكلم أشهب على ما يعرف بمصر وغيرها من بلاد المشرق، وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه لا يكون إداما إلا ما يطبخ فيه، حتى قالا: إن الشواء واللحم ليس بإدام، واستدلوا بقوله، عَلَيْهِ السَّلَامُ: «نعم الإدام الخل»، وبقوله: «اتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة» وهذا بعيد، فقد روي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «اللحم سيد إدام الدنيا والآخرة»، وذهب محمد بن الحسن إلى أن كل ما يؤكل الخبز به ويستطاب فهو إدام، واستدل بما روي من «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ كسرة من خبز من شعير فوضع عليها تمرة، فقال: هذه إدام هذه»، فأكلها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقوله صحيح على القول بأن الحالف إن لم تكن له نية يحنث بما يقتضيه لفظه ولا يراعى مقصده، فوجب إذا حلف الرجل ألا يأكل خبزا وإداما فأكل خبزا بشيء مما يستطاب به الخبز أن يكون حانثا؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التمرة، ولأن العرب تقول للزوجين أدم الله بينكما يريدون بذلك الألفة والمحبة، فدل ذلك أن كل ما يطيب به الخبز فيؤكل به يسمى إداما لقوله وإن لم ينطلق عليه اسم إدام على انفراده، وهذا أصل مختلف فيه في المذهب، أعني مراعاة المقصد، وقد مضى ذلك في غير ما موضع، فإذا حلف الرجل ألا يأكل إداما لم يحنث بأكل التمر والتين والعنب، وما أشبه ذلك؛ إذ لا ينطلق عليه اسم إدام، ومن حلف ألا يأكل خبزا بإدام فأكل خبزا بتمر أو تين أو عنب أو ما أشبه ذلك جرى ذلك على الاختلاف في مراعاة المقصد، والأشهر في المذهب مراعاته، وألا يكون الحالف حانثا بذلك، وقد اختلف في الذي يحلف ألا يأكل خبزا وإداما أو خبزا وزيتا ولا نية له هل هو محمول على أنه أراد ألا يجمع بينهما فلا حنث بأكل أحدهما وهو ظاهر. قول أشهب هذا، وقيل: إنه محمول على أنه أراد ألا يأكلهما جميعا فيحنث بأكل أحدهما كمن حلف ألا يفعل فعلين ففعل أحدهما، وهذا على الاختلاف أيضا في مراعاة المقصد، فلم يراعه في هذه المسألة في المدونة.

.مسألة حلف ألا يأخذ من فلان درهما أبدا فأخذ منه قميصا وفيه درهم:

قال أصبغ في من حلف ألا يأخذ من فلان درهما أبدا فأخذ منه قميصا وفيه درهم وهو لا يعلم به، ثم علم بالدرهم فرده على صاحبه، قال: ليس عليه شيء.
قال محمد بن رشد: لابن القاسم في المبسوط: إنه حانث إلا أن تكون له نية، وهو على أصله في المدونة فيمن حلف أنه لا مال له وله قدر ورثه لم يعلم به، وقال ابن كنانة فيها مثل قول أصبغ فيما لا يسترفع في مثله الدرهم، ويأتي على مسألة السرقة في المدونة الفرق بين ما يسترفع فيه الدرهم أو لا يسترفع، في ثلاثة أقوال، أحدهما أنه لا يحنث على القول بمراعاة المقصد، والثاني أنه يحنث على القول بالاعتبار باللفظ دون مراعاة المقصد، والتفرقة استحسان، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ألا يدخل بيت فلان ما عاش فمات فلان هل يدخل بيته وهو ميت:

ومن حلف ألا يدخل بيت فلان ما عاش، فمات المحلوف عليه فأراد أن يدخل بيته وهو ميت قبل أن يُدفن، قال: لا يدخل عليه حتى يدفن، فإن دخل قبل أن يدفن حنث، وكذلك لو قال: لا أدخل بيت فلان حتى يموت، إنه إن دخل قبل أن يدفن وإن كان قد مات فهو حانث.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم الأقضية من سماع أشهب مستوفًى فليس لإعادة شيء من ذلك هنا معنى.

.مسألة حلف ليقضين غريمه في الصيف:

ومن حلف ليقضين غريمه في الصيف فإذا انقضى آب وهو أُغُشْت فهو حانث ومن حلف ليقضين غريمه في الشتاء فإذا انقضى شباط وهو فبراير ولم يقضه فقد حنث، ومن حلف ليقضين غريمه في الربيع فإذا انقضى أيار وهو مايه ولم يقضه فقد حنث، ومن حلف ليقضين غريمه في الخريف فإذا انقضى تشرين الآخر وهو نونبر ولم يقضه فقد حنث، ومن حلف ليقضين غريمه إلى الحصاد فإنه يقضى عليه في وسط الحصاد وعظمه، ولا يحنث إلا بانقضاء الحصاد كله، وكذلك إلى القطاف والجداد وإلى الصدر وإلى العطا وما أشبهه.
قال محمد بن رشد: قال عز وجل: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} [الحجر: 16] فبروج السماء بإجماع من العلماء اثنا عشر برجا، وهي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت تقطعها الشمس كلها في، اثني عشر شهرا من شهور السريانيين وشهور العجم، وهي سنة كاملة يناير وفبراير ومارس وإبريل ومايه ويونيه ويوليه وأغشت وستنبر وأكتوبر ونونبر ودجنبر، وهذه السنة هي السنة الشمسية، وتنقسم على أربعة فصول: ربيع وخريف وشتاء وصيف، كل فصل من ثلاثة أشهر فيتلو الربيع الصيف ويتلو الصيف الخريف ويتلو الخريف الشتاء، واختلف في حد هذه الفصول، فذهب أصبغ وحكى ابن حبيب مثله في الواضحة عن ابن الماجشون وعن ابن القاسم من رواية أصبغ عنه أن أول فصل الربيع أول شهر مارس وأخره آخر شهر ماي، ثم يتلوه سائر فصول السنة ثلاثة أشهر ثلاثة أشهر، وذهب ابن حبيب في رأي وقع له ذلك في الزكاة إلى أن أول فصل الربيع من نصف فبراير إلى نصف ماي، ثلاثة أشهر تتمة شهر فبراير وشهر مارس وإبريل ونصف ماي، ثم يتلوه سائر فصول السنة على هذا الترتيب تمام الشهر والشهران بعده ونصف الشهر، وهو أعدل من القول الأول؛ لأن فصل زمان الربيع والخريف هو الزمان الذي يعتدل فيه الزمان ويستوي فيه الليل والنهار، وفصل زمان الصيف هو الفصل الذي يتناهى فيه طول النهار، وفصل الشتاء هو الذي يتناهى فيه قصر النهار، واعتدال الليل والنهار يكون إذا حلت الشمس بأول برج الحمل، وذلك في نصف شهر مارس، ثم يأخذ النهار في الزيادة، فقول من جعل أول فصل الربيع قبل الاعتدال بشهر وآخره بعد الاعتدال بشهرين أعدل من قول من جعل أوله قبل الاعتدال بنصف شهر وآخره بعد الاعتدال بشهرين ونصف، وكان القياس أن يكون أوله قبل الاعتدال بشهر ونصف وآخرها بعد الاعتدال بشهر ونصف، فيكون فصل الربيع على هذا أول فبراير وآخره إبريل، إلا أن هذا لم يقولوه، فكأنهم ذهبوا إلى مراعاة تقارب كل فصل من الفصول في الحر والبرد لا إلى تقارب كل فصل منها في الطول والقصر ومراعاة تقارب كل فصل منها في الطول والقصر أولى وأظهر، والله أعلم.
وأما قوله في من حلف ليقضين غريمه إلى الحصاد فإنه يقضى عليه في وسط الحصاد وعظمه ولا يحنث إلا بانقضاء آخره، فمثله حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ وابن القاسم وغيره من أصحاب مالك، وحكي أنه قول مالك أيضا، وفيه نظر؛ لأن إلى غاية، فكان القياس في الذي حلف ليقضين رجلا حقه إلى الحصاد أن يحنث إن لم يقضه فيما بينه وبين أول عظمه كما يقضى عليه إذا بايعه إلى الحصاد بالقضاء في عظمه، وإنما يصح ألا يحنث إلا بانقضاء الحصاد وأن يقضى عليه في وسطه إذا حلف ليقضين رجلا حقه في الحصاد، وهذا بين، وكذلك من بايع رجلا إلى شهر كذا ولم يقل أول شهر كذا، أو قال محل أجله شهر كذا فإنه يقضى عليه بالحق في نصف الشهر على هذا القياس، وقد كان ابن لبابة يذهب إلى أن من بايع رجلا وقال محل أجله شهر كذا فالبيع فاسد؛ لأنه أجل مجهول، وتابعه على ذلك غيره من أهل عصره، والرواية عن مالك مسطورة بخلاف ذلك في رسم شك في طوافه من سماع عن ابن القاسم من كتاب الديات.

.مسألة قال لله علي نذر شرب الخمر:

وقال ابن القاسم في النذور: إنما هي خمسة وجوه، إذا قال: لله علي نذر شرب الخمر أو قال: لله علي أن أشرب الخمر، أو قال: لله علي نذر أن أشرب الخمر فليس عليه في ذلك كله شيء فعله أو لم يفعله، وإن قال: لله علي نذر إن شربت الخمر فشربها فليكفر، وإذا قال: لله علي نذر إن لم أشرب الخمر قيل له: لا تشربها وكفر، فإن فعل واجترأ علي الله تعالى في شربها فلا كفارة عليه، وإنما الذي يقول لله علي نذر إن شربت الخمر أو إن كلمت أبي أو فلانا بمنزلة الذي يقول: والله لا فعلت كذا وكذا ثم يحنث، قال: والنذور في الأب والأجنبي سواء إن قال: إن كلمت أبي أو أجنبيا فهو واحد يكفر إذا حنث.
قال محمد بن رشد: جوابه في الوجوه التي ذكرها صحيح، وتقسيمه لها إلى خمسة وجوه ليس بكلام محصل؛ لأن ذلك إنما يرجع إلى وجهين نذر ويمين بنذر، والنذر على وجهين نذر أن يفعل ونذر ألا يفعل واليمين على وجهين يمين بنذر ألا يفعل ونذر بيمين ليفعلن، فإذا نذر أن يفعل فعلا أو ألا يفعله وجب ذلك عليه إن كان طاعة، وحرم عليه إن كان معصية، وكان مخيرا فيه إن لم يكن طاعة ولا معصية، وقد مضى القول على هذا في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم، وإذا حلف بالنذر وقال: علي نذر إن فعلت كذا وكذا أو لأفعلنه فحكمه حكم اليمين بالله ولا اختلاف في ذلك.

.مسألة حلف لغريمه ليبعثن بحقه مع فلان يوم كذا أو لأبعثن بحقك يوم كذا:

وعن رجل حلف لغريمه ليبعثن بحقه مع فلان يوم كذا وكذا أو لأبعثن بحقك يوم كذا وكذا فذلك سواء، إن لم يصل إليه الحق يوم حلف ليبعثن به يوم كذا وكذا فهو حانث.
قال محمد بن رشد: إنما قال: إنه لا يبر إلا بوصول الحق إليه ذلك اليوم لا ببعثه إليه فيه لأن ذلك هو مقصد الحالف، وإذا كان المقصد ظاهرا حملت اليمين عليه في المشهور في المذهب إن خالف ذلك ما يقتضيه اللفظ، وقد مضى هذا المعنى فوق هذا وفي غير ما موضع.

.مسألة حلف أن فلانا في هذا البيت وأن في كم فلان دينارا ولم يكن يعلم:

وعن رجل حلف أن فلانا في هذا البيت وأن في كم فلان دينارا ولم يكن يعلم، فجاء الأمر على ذلك، قال: سمعت ابن القاسم يقول في مثل هذا لا حنث عليه إذا صادف ذلك كما قال، وهو بمنزلة الذي يحلف لمطيرن غدا فلا يوبه له حتى يكون ذلك فلا حنث عليه، وقد سمعت ابن القاسم يقول في رجل حلف في قيد رجل عنده أو غيره أن فيه كذا وكذا رطلا، ولا يدري ما فيه فتوزن فيوجد ذلك أو أكثر أنه لا حنث عليه، وإنما هو رجل غرر فوجد كما غرر.
قال محمد بن رشد: أما إذا حلف على ذلك عن تجربة فانكشف الأمر على ما حلف عليه فلا اختلاف في أنه لا حنث عليه، واختلف إن كانت يمينه على ادعاء علم غيب أو مصحح على الشك دون سبب من تجربة أو توسم شيء ظنه فقيل: إنه يحنث وإن وجد الأمر على ما قال، وهو قول المغيرة المخزومي رأيت ذلك له في بعض احتجاجاته على أبي يوسف في مجالس مناظرته له، وهو قول عيسى بن دينار من رأيه، ودليل رواية أبي زيد عن ابن القاسم في كتاب الأيمان بالطلاق، وقيل: إنه لا حنث عليه إن لم يطلق عليه حتى انكشف أن الأمر على ما حلف عليه، وهي رواية عيسى عن ابن القاسم في كتاب الأيمان بالطلاق والصحيح في النظر؛ لأنه إنما أوجب على نفسه الطلاق بشرط وجود الأمر بخلاف ما قال، فإذا لم يطلق عليه حتى بان الأمر على ما قال وجب ألا يطلق عليه؛ إذ لا يصح أن يوجب على أحد طلاق ولا عتق ولا شيء لم يوجبه على نفسه، ولو كانت يمينه بالله عز وجل لما سقط عنه الإثم في جرأته على الله في الحلف باسمه على غير يقين بانكشاف الأمر على ما حلف عليه.

.مسألة جاره يؤذيه فأعطاه دنانير على أن يرتحل من جواره فمات:

وسمعته وسئل عن الرجل يكون له الجار يؤذيه كما يقول فيعطيه دنانير على أن يرتحل من جواره فيموت قبل الرحلة، هل ترى له الدنانير؟ قال أصبغ: أرى إن كان طول جدا، وقد أمكنته الرحلة التي تراد منه وجاوز إقامتها بالرحلة فأرى أن ترد ما لم يكن المعطي قد علم ذلك فأمسك عن انتظاره ورضي، وإن كان الأمر لم يكن كله حتى مات فهي له.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إنما أعطاه الدنانير على أن يرتحل عنه، فإن ترك الرحلة وقد أمكنته حتى مات كان للمعطي أن يرجع في دنانيره؛ لأن الذي أعطى دنانيره عليه لم يتم له، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المسلمون على شروطهم»، إلا أن يكون قد علم ولم ينكر فيكون ذلك منه رضى بإسقاط شرطه، وذلك مثل ما لو أعطى رجل رجلا دنانير على أن يعتق عبده فلم يفعل حتى مات العبد، وهو على قياس قول ابن القاسم وروايته عن مالك في الذي يبيع العبد من الرجل على أن يعتقه فيؤخر ذلك حتى يموت العبد، وقد علم البائع أو لم يعلم، وقع ذلك في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب جامع العيوب، وفي رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ منه.

.مسألة حلف ألا يبيع رجلا ثوبا أبدا فأراد أن يبيع مقارضا له:

من سماع ابن أبي زيد من ابن القاسم:
مسألة قال أبو زيد: سئل ابن القاسم عن رجل حلف ألا يبيع رجلا ثوبا أبدا فأراد أن يبيع مقارضا له فكرهه، وقال: ما يعجبني.
قال محمد بن رشد: إن كانت يمينه؛ لأنه أراد ألا ينفعه أو لأنه كره ماله فلا امتراء في أن الحنث عليه واجب، وإن لم تكن نية فالقياس ألا حنث؛ لأنه لم يبع منه شيئا إلا أنه كره له من أجل أن العهدة لما كانت تكون عليه أشبه بيعه، وستأتي المسألة مكررة في سماع أبي زيد من كتاب الأيمان بالطلاق.

.مسألة حلف ليقضينه حقه إلى شهر فدفع إليه نصف الحق ورهنه الباقي:

وقال في رجل حلف لغريم له ليقضينه حقه إلى شهر أو رهنا بحقه فدفع إليه نصف الحق ورهنه رهنا بالنصف الباقي، قال: لا شيء عليه، ولو قال: لأقضينك حقك وأرهنك داري فقضاه نصف الحق ورهنه نصف الدار في الباقي فإنه يحنث.
قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة بعينها في هذا السماع من كتاب الأيمان بالطلاق، وهي مسألة صحيحة ليس فيها كلام؛ لأن من حلف أن يرهن رجلا رهنا بحق له عليه يبر بالقضاء باتفاق؛ إذ هو أبلغ من الرهن، فإذا حلف الرجل أن يقضي غريمه حقه أو يرهنه رهنا وجب أن يبر إذا قضاه نصف الحق ورهنه بالنصف الباقي رهنا؛ لأن ذلك أبلغ من أن يرهنه بالجميع رهنا ولا يقضيه منه شيئا، وأما الذي حلف أن يقضيه حقه أو يرهنه داره فلا يبر إلا بأحد الوجهين، وإن قضاه نصف الحق لم يبر إلا أن يرهنه بما بقي من حقه جميع الدار وهذا بيِّن.

.مسألة حلف ألا يأكل هذا الطعام حتى يأكل فلان فأكلا جميعا معا:

وسئل عن رجل حلف ألا يأكل هذا الطعام حتى يأكل فلان فأكلا جميعا معا، قال: هو حانث إلا أن يكون أراد بقوله حتى يأكل فلان أي حتى يأكل معي، قيل: فإن قال لا أشتري ميمونا حتى أشتري مباركا؟ قال: هو حانث إلا أن يكون نوى حتى يشتريهما جميعا، قيل: فإن قال: لا أنكح فلانة حتى أنكح فلانة لامرأة أخرى فنكحهما جميعا معا؟ قال لي: هو مثله.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الأظهر من اللفظ ألا يفعل شيئا من ذلك إلا بعد الفعل الآخر، فوجب أن يحمل يمينه على ذلك إلا أن تكون له نية أن يفعله معه فينوي في ذلك، وإن كانت على يمينه بينة فيما يقضى به عليه؛ لاحتمال اللفظ ذلك.

.مسألة سلف في طعام وحلف له البائع ليوفينه إلى أجل سماه بساحل الفسطاط:

وسئل عن رجل سلف في طعام وحلف له البائع ليوفينه إلى أجل سماه بساحل الفسطاط، قال ابن القاسم: إن أوفاه بالموضع كان حانثًا.
قال محمد بن رشد: وهو كما قال إنه حانث؛ إذ لم يوفه إياه في الموضع الذي حلف ليوفينه فيه.

.مسألة قال لله علي إن رزقني الله ثلاثة دنانير أن أصوم ثلاثة أيام:

وسئل عن رجل قال: لله علي إن رزقني الله ثلاثة دنانير أن أصوم ثلاثة أيام فرزقه الله دينارين فصام ثلاثة أيام، فرزقه الله الدينار الثالث بعد أن صام، قال: يبتدئ صيام الثلاثة الأيام.
وسئل عن رجل قال: لله علي إن قضى الله عني مائة دينار كان تحمل بها لرجل عن أخ له، فله علي صيام ثلاثة أشهر فقضاها الله عنه إلا دينارا ونصفا، فصام الثلاثة الأشهر ثم قضى الله الدينار والنصف بعد، أترى أن يجزيه صيامه؟ قال: أرجو أن يجزئ عنه، وأفتى به ورأيته عنده ضعيفا، وقد سأله هل له نية؟ فقال: ما نويت شيئا وهكذا كانت يميني.
قال محمد بن رشد: القياس أنه لا يجزيه؛ لأنه صامه قبل أن يجب عليه إذ لا يجب عليه إلا بقضاء الجميع إلا أنه رجا أن يجزئه؛ لأنه إنما نذر لله ما نذر من أجل ثقل الدين عليه، فإذا لم يبق عليه منه إلا اليسير الذي لا يثقل عليه فقد بلغ الله أمله وحصل له غرضه، وفي أول سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات ما يقوم منه أنه يلزمه أن يصوم من الصيام الذي نذره. بقدر ما أدى الله عنه من الدين، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال.

.مسألة رجل حلف ألا يتعشى فشرب ماء:

وسئل عن رجل حلف ألا يتعشى فشرب ماء، قال: لا شيء عليه إذا شرب ماء، قيل له: فشرب نبيذا؟ قيل له: أيشرب سويقا؟ قال: يحنث، قيل له: أيتسحر؟ قال: لا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: إنما حنثه بالسويق ولم يحنثه بالنبيذ؛ لأن النبيذ شراب وليس ينطلق عليه اسم طعام، والسويق طعام وليس ينطلق عليه اسم شراب، وإن شُرِبَ، وكفى من الحجة في ذلك ما جاء في الحديث من «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا في سفره إلى خيبر بالصهباء بالأزواد فلم يؤت إلا بالسويق»، والعَشاء إنما تقع على الطعام لا على الشراب، وإنما يحنث بالسحور؛ لأن السحور إنما ليس بعشاء، وإنما هو بدل من الغداء، وقد سماه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غداء، فروي عنه أنه قال للمقدام بن معدي: «عليك بهذا السحور فإنه هو الغداء المبارك»، فوجب ألا يحنث من حلف ألا يتعشى إذا تسحر كما لا يحنث إذا تغدى.

.مسألة قال مالي في سبيل الله إن دخلت هذه الدار أو كلمت فلانا فحنث:

وقال في رجل قال: مالي في سبيل الله إن دخلت هذه الدار، ثم قال مالي في سبيل الله إن كلمت فلانا، ثم قال مالي في سبيل الله إن فعلت أبدا أجرا فحنث في كل ما حلف به، أترى أن يجزئه من ماله الثلث؟ قال: هذا رأي ابن كنانة ولست أقوله وأنا أرى أن يخرج ثلث ماله في سبيل الله، ثم يخرج ثلث ما بقي بعد ذلك فيجعله أيضا في سبيل الله، ثم يخرج ثلث ما بقي بعد ذلك فيجعله في سبيل الله.
قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أن ابن القاسم حكى عن ابن كنانة أنه يجزئه ثلث واحد، وأنه لا يرى هو ذلك، ولا يقول به ويوجب عليه إخراج ثلث ماله لليمين الأولى وثلث ما بقي لليمين الثانية، وثلث ما بقي لليمين الثالثة، وذلك خلاف المعلوم من مذهبه في سماع يحيى المتقدم، وفي غير ذلك من الدواوين، وخلاف الأصول أيضا على ما ذكرناه، وبيانه في رسم الصلاة من سماع يحيى المذكور، فيحتمل أن يكون انتهى جواب ابن القاسم إلى قوله قال هو رأي؛ ووصل العتبي بجوابه قول ابن كنانة، فقال ابن كنانة ولست أقوله، فيكون معناه قال ابن كنانة: ولست أقوله- يعني قول ابن القاسم- إنه يجزئه ثلث واحد، وأنا أرى أن يخرج ثلث ماله إلى آخر قوله، وهو تأويل ممكن محتمل، والله أعلم.

.مسألة قال لابنه أنت بدنة:

وقال في من قال لابنه: أنت بدنة، قال: لا شيء عليه إلا أن يكون نوى الهدي.
قال محمد بن رشد: قوله في ابنه هو بدنة بمنزلة قوله: أنحره، فقوله: لا شيء عليه إلا أن يكون نوى الهدي، هو أحد أقوال مالك في المدونة، والذي يتحصل من أقواله فيها أنه إن أراد الهدي أو سمى النحر فعليه الهدي قولا واحدا، وإن لم تكن له نية ولا سمى المنحر فمرة رأى عليه كفارة يمين، ومرة لم ير عليه شيئا، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية.

.مسألة قال لله علي ألا أصوم غدا ولله علي ألا أكلم فلانا:

وإذا قال: لله علي ألا أصوم غدا، ولله علي ألا أكلم فلانا، ولله علي ألا أدخل المسجد، أنه يدخل المسجد ويصوم غدا ويكلم فلانا ولا شيء عليه إلا أن يقول: لله علي نذر إن صمت غدا، ولله علي نذر إن كلمت فلانا، ولله علي نذر إن دخلت المسجد، إن فعل شيئا من هذه الوجوه فعليه في ذلك كله كفارة.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في آخر نوازل أصبغ في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته.

.مسألة قال رجل لله علي نذر عتق رقبة لأصومن غدا:

قال: ولو قال رجل لله علي نذر عتق رقبة لأصومن غدا، قال: هو مخير إن شاء صام غدا ولا عتق عليه، وإن شاء أعتق رقبة ولم يصم غدا.
قال محمد بن رشد: قوله هو مخير إن شاء صام غدا ولا عتق عليه وإن شاء أعتق رقبة ولم يصم غدا ليس بصحيح؛ لأنه حلف بعتق رقبة أن يصوم غدا فيمينه على بر؛ لأنه يحنث بمضي غد، ولا يجوز لمن كانت يمينه على بر بطلاق أو مشي أو عتق أو ظهار أو صيام، أو ما سوى ذلك مما عدا اليمين بالله أن يطلق ولا أن يمشي ولا أن يعتق ولا أن يكفر عن ظهار ولا أن يصوم قبل أن يحنث، فإن فعل شيئا من ذلك قبل أن يحنث لم يجزه، ولزمه أن يفعله مرة أخرى إذا حنث، وقد وقع في كتاب الظهار من المدونة لمالك في من آلى من امرأته بعتق رقبة بغير عينها فأعتق رقبة قبل أن يحنث أن ذلك يجزئه وسقط عنه الإيلاء، وهي رواية شاذة خارجة عن الأصول، وعليها يأتي قول ابن القاسم في هذه المسألة.

.مسألة اختلس كتابا فقال صاحبه والله لا تقرؤه وقال الذي اختلسه والله لأقرأنه:

وسئل عن رجل اختلس من رجل كتابا، فقال صاحب الكتاب: والله لا تقرؤه، وقال الذي اختلسه: والله لأقرأنه فتجابذا الكتاب فصار في يد صاحبه نصفه وفي يد الذي اختلسه نصفه فقرأ ذلك النصف، فقال: أحب إليّ أن يكفرا جميعا؛ قيل له: سواء قرأ نصفه أو قرأه كله؟ قال: لا، إذا قرأه كله لم يكن عليه شيء.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وغيرها من أن من حلف ألا يفعل فعلا يحنث بفعل بعضه، ومن حلف أن يفعل فعلا لا يبر إلا بفعل جميعه؛ لأن الحالف ألا يفعل فعلا حالف ألا يفعل شيئا فوجب أن يحنث إن فعل بعضه، والحالف أن يفعل فعلا حالف أن يفعل جميعه فوجب ألا يبر بفعل بعضه، وإنما افترق البر من الحنث من أجل أن لفظ الحالف اقتضى ذلك فحمله على عمومه في الوجهين، وإلى هذا يرجع قول من يعلل بأن يقول الحنث يدخل بأقل الوجوه، والبر لا يكون إلا بأكمل الوجوه، وإنما قال: أحب إليّ أن يكفرا جميعا ولم يوجب ذلك عليهما جميعا من أجل أن الحالف أن يقرأه لم يتقرر بعد حنثه إذا حلف يقدر على النصف الآخر فيقرأه فيبر، ولو فات النصف الثاني فواتا لا يمكنه قراءته أصلا لوجبت عليه الكفارة كما وجبت على صاحبه.

.مسألة طلق امرأته واتخذ عليها إن تزوجت بعده فمالها للمساكين صدقة:

وقال في رجل طلق امرأته واتخذ عليها إن تزوجت بعده فمالها للمساكين صدقة، فقال: قد ظلم حين فعل، فإن تزوجت كان ثلث مالها في المساكين، قال ابن القاسم: إن كانت حلفت على ضرورة فليس عليها شيء في يمينها، وهي بمنزلة التي تعطيه مالها على ضرورة ثم يعلم بذلك فهي ترجع عليه ثم أخذ منها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إذا طلقها على أن مالها في المساكين صدقة إن تزوجت لا يلزمها اليمين إذا كانت إنما حلفت عن ضرورة لأن إكراه الرجل امرأته إكراه، ويمين المكره لازمة له.

.مسألة حلف ألا يعين أخاه في حاجة فمرض فأراد أن يعوده:

وسئل عن رجل حلف ألا يعين أخاه في حاجة فمرض فأراد أن يعوده أو دعاه إلى طعام في منزله أيجيبه؟ قال: لا أرى بذلك كله بأسا إلا أن يكون أراد اعتزاله له.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن عيادته إياه وإجابته إلى طعامه ليس من العون له في حاجة بسبيل، فإذا لم ينو اعتزاله بيمينه فلا حنث عليه.

.مسألة قال أثمانهن صدقة إن وطئت منهن واحدة وهو يريد أثمان ثياب الجواري:

وقال في رجل عاتبته امرأته في جوار له يطؤهن فوضع يده على ثياب لهن فجمعها فقال أثمانهن صدقة إن وطئت منهن واحدة وهو يريد أثمان الثياب يلغز لها ذلك؛ قال: لا أرى عليه بأسا وأرى ذلك ينفعه ولكن إن فعل فليتصدق بتلك الثياب التي وضع يده عليها وحدها إلا أن يكون نوى كل ثيابهن.
قال محمد بن رشد: اليمين في هذه المسألة على نية الحالف وقد مضى تحصيل القول في ذلك في رسم شك من سماع ابن القاسم وفي سماع أصبغ ما يغني عن إعادته.